بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم.....
الجزاء الثاني:
تربية الأطفال (4)
ويداعب الصبي بلسانه وفمه :
عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق بني قينقاع متكئا على يدي فطاف فيها ثم رجع فاحتبى في المسجد وقال أين لكاع ادعوا لي لكاعا فجاء الحسن عليه السلام فاشتد حتى وثب في حبوته فأدخل فمه في فمه ثم قال اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ثلاثا قال أبو هريرة ما رأيت الحسن إلا فاضت عيني أو دمعت عيني أو بكت شك الخياط
ويكني أهل الطفل باسمه :
حدثنا الربيع بن نافع عن يزيد يعني ابن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده شريح عن أبيه هانئ أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنى أبا الحكم فقال إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحسن هذا فما لك من الولد قال لي شريح ومسلم وعبد الله قال فمن أكبرهم قلت شريح قال فأنت أبو شريح
ويهتم بختان الطفل :
حدثنا علي حدثنا سفيان قال الزهري حدثنا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رواية الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب
ويجلسهم علي حجره وفخذة ويشفق علي مرضاهم :
حدثنا أبو بكر الحنفي قال حدثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أم كرز الخزاعية قالت أتي النبي صلى الله عليه وسلم بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ثم يقول اللهم ارحمهما فإني أرحمهما وعن علي قال حدثنا يحيى حدثنا سليمان عن أبي عثمان قال التيمي فوقع في قلبي منه شيء قلت حدثت به كذا وكذا فلم أسمعه من أبي عثمان فنظرت فوجدته عندي مكتوبا فيما سمعت
تربية الأطفال (5)
ويؤكد على الصدق معهم وعدم الكذب عليهم:
عن عبد اللَّه بن عامر قال: دعتني أمي، ورسول اللَّه صلي الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها، تعال أعطيك، فقال صلي الله عليه وسلم : "ما أردت أن تعطيه؟" قالت: أعطيه تمرًا. فقال لها: "أمَا إنك لو لم تعطيه شيئًا كُتِبت عليك كذبة". إن الأطفال يراقبون سلوك الكبار ويقتدون بهم، فلا يجوز خداعهم بأي حال. قال أبو الطيب: وفي الحديث أن ما يتفوَّه به الناس للأطفال عند البكاء مثلاً بكلمات هزلاً أو كذبًا بإعطاء شيء أو بتخويف من شيء حرام داخل في الكذب. كذلك يراعى الصدق معهم في الحديث عند تسليتهم أو إضحاكهم أو سرد قصص وحكايات عليهم، وينبغي ألا يدخل الكذب في هذا كله.
ويترك للصغير فرصة يتلَهَّى معه صلي الله عليه وسلم :
ربما يمزح الطفل الصغير مع الرجل الكبير، وربما يعبث في ثوبه أو في لحيته، وزجْرُه في هذه الحالة كسرٌ لنفسه وجَرْحٌ لشعوره، وتعويدٌ له على الانطواء والوحدة، لكن مقابلة ذلك بالابتسامة والإعجاب، يُدخل السرور على الطفل، ويشجعه على مخالطة الكبار والاستفادة منهم، كما يربي فيه الشجاعة الأدبية.
وقد حدث مثل هذا مع النبي صلي الله عليه وسلم : فعن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت: أُتِيَ النبي صلي الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوادء صغيرة، فقال: "مَن ترون أن نكسوَ هذه؟" فسكت القوم، قال: "ائتوني بأم خالد"، فأُتِيَ بها تُحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها.
وفي الرواية الأخرى: ثم قال صلي الله عليه وسلم : "سَنَه سَنَه". وهي باللغة الحبشية بمعنى: حَسَنة، قالت: فذهبتُ ألعب بخاتم النبوة (بين كتفيه) فزبرني (فزجرني) أبي، قال رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم : "دعها". ثم قال رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم : "أبلي وأخلقي، ثم أبْلي وأخْلقي، ثم أبلي وأخلقي". قال عبد اللَّه: فبقيت حتى ذَكَرَ، يعني من بقائها. يعني طال عمرها بدعوة النبي "أبلي وأخلقي" ثلاث مرات، والثوب الخَلِق: هو البالي، وكانت الطفلة الصغيرة أم خالد مع أهلها في هجرة الحبشة، فلذلك داعبها النبي صلي الله عليه وسلم بلهجة أهل الحبشة التي تفهمها: "سَنَه سنه".
ويتوعد صلي الله عليه وسلم من يدلُّهم على فِعل المنكرات:
من رحمة اللَّه تعالى بالأطفال أنه رفع عنهم التكليف في صغرهم، بل عافاهم من المؤاخذة على الذنوب؛ حتى ينضج الطفل بلوغه الحلم، فإذا بلغ سجل القلم عليه ما يقول ويعمل. عن علي وعمر رضي اللَّه عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم". ومهما كان الطفل صغيرًا ولم يبلغ الحلم بعد، فإنه لا يجوز لأحد أبدًا أن يدله على فعل ما هو معصية نهى عنها الإسلام أو يغريه بها، كأن يعلمه شرب المسكرات وفعل المنكرات، أو شرب الدخان وفعل القبائح، أو السب والشتم والبذاءة وسيء القول والعمل. عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "كل مُخْمِر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرًا بُخست صلاته أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال صديد أهل النار ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقًّا على اللَّه أن يسقيه من طينة الخبال". وطينة الخبال هي عصارة أهل النار وصديدهم. وكذلك فإن من ألبس الطفل الصغير حريرًا أو ذهبًا فلا إثم على الطفل لارتفاع التكليف عنه، وإنما الإثم على من ألبسه.
تربية الأطفال (6)
ويصحبهم صلي الله عليه وسلم في الطريق واعظًا ومعلمًا على قدر عقولهم:
الطفل من حقه أن يصحب الكبار ليتعلم منهم، فتغذى نفسه، ويتلقح عقله بلقاح العلم والحكمة، والمعرفة والتجربة، فتهذب أخلاقه، وتأصل عاداته.
وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم قدوة في ذلك، فعلمنا أنه صحب أنسًا، وكذلكم صحب أبناء جعفر ابن عمه، والفضل ابن عمه. وها هو عبد اللَّه بن عباس، ابن عمه صلي الله عليه وسلم يسير بصحبة النبي صلي الله عليه وسلم على دابته، فيستفيد النبي صلي الله عليه وسلم من تلك الصحبة في الهواء الطلق، والذهن خالٍ، والقلب منفتح، فيعلِّمه كلمات، على قدر سنِّه واستيعابه، في خطاب مختصر ومباشر وسهل، مع ما يحمله من معان عظيمة يسهلُ على الطفل فهمها واستخلاصها،
يقول: "يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ اللَّه يحفظك، احفظ اللَّه تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللَّه عليك، رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف".
ويستخدم صلي الله عليه وسلم العبارات الرقيقة في محادثتهم لاستمالة قلوبهم:
من عوامل بناء الثقة في الطفل، ورفع روحه المعنوية وحالته النفسية؛ أن يُنادَى باسمه، بل بأحسن أسمائه، أو بكنيته، أو بوصف حسنٍ فيه. وقد كان رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم قدوةً في ذلك؛ فتارة ينادي الصبي بما يتناسب مع صغره، فيقول: "يا غلام، إني أعلمك كلمات". و"يا غلام سم اللَّه، وكُلْ بيمينك". و"يا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ؟" وهكذا.
وتارة يناديه بقوله: "يا بنيَّ". كما قال لأنس لمَّا نزلت آية الحجاب: "وراءك يا بني". وقال صلي الله عليه وسلم عن أبناء جعفر ابن عمه أبي طالب: "ادعوا لي بني أخي". وسأل أمهم عن صحتهم فقال: "ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة؟". وتارةً أخرى يناديهم صلي الله عليه وسلم بالكُنية، فالكنية تكريم وتعظيم، فكان يقول للطفل الصغير الفطيم: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟" لطائر صغير كان يلعب به فمات. وقد كان أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ينادون مَن وُلِد في الإسلام من أب مسلم بقولهم: يا ابن أخي، فقد مدح المسيب البراء بن عازب بصحبة النبي صلي الله عليه وسلم وبيعته فقال له: "يا ابن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده". وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يقول للشاب الذي سأله عن أبي جهل: يا ابن أخي، وما تصنع به؟ وكان يريد أن يقتله في غزوة بدر، وقد كان.
ويأمر صلى الله عليه وسلم بتلقين الطفل كلمة التوحيد:
عن جندب بن عبد اللَّه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازدنا به إيمانًا". فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان قبل أن يعلمهم القرآن، والإيمان كما بالحديث: "بضع وسبعون شعبة، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان
".